سورة النساء - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} يُخاطب اليهود، {آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا} يعني: القرآن، {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} يعني: التوراة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كلَّم أحبار اليهود: عبد الله بن صوريا وكعب بن الأشرف، فقال: «يا معشر اليهود اتُقوا الله وأسلموا، فوالله إنّكم لتعلمون أنّ الذي جئْتُكم به لحق»، قالوا: ما نعرف ذلك، وأصروا على الكفر، فنزلت هذه الآية.
{مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا} قال ابن عباس: نجعلها كخف البعير، وقال قتادة والضحاك: نُعميها، والمراد بالوجه العين، {فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} أي: نطمسُ الوجه فنرده على القفا، وقيل: نجعل الوجوه منابت الشعر كوجوه القردة، لأن منابت شعور الآدميين في أدبارهم دون وجوههم، وقيل: معناه نمحو آثارها وما فيها من أنف وعين وفم وحاجب فنجعلها كالأقفاء، وقيل: نجعل عينيه على القفا فيمشي قهقرى.
روي أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه لمّا سَمِعَ هذه الآية جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتي أهله، ويده على وجهه، وأسلم وقال: يا رسول الله ما كنت أرى أن أصل إليك حتى يتحول وجهي في قفاي، وكذلك كعب الأحبار لما سمع هذه الآية أسلم في زمن عمر رضي الله عنه، فقال: يا رب آمنتُ، يا رب أسلمتُ، مخافة أن يصيبَهُ وعيدُ هذه الآية.
فإن قيل: قد أوعدهم بالطمس إن لم يُؤمنوا ثم لم يؤمنوا ولم يُفعل بهم ذلك؟.
قيل: هذا الوعيد باق، ويكون طمسٌ ومسخٌ في اليهود قبل قيام الساعة.
وقيل: كان هذا وعيدًا بشرط، فلما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه دفع ذلك عن الباقين.
وقيل: أراد به القيامة، وقال مجاهد أراد بقوله: {نَطْمِسَ وُجُوهًا} أي: نتركهم في الضلالة، فيكون المراد طمس وجه القلب، والردّ عن بصائر الهدى على أدبارها في الكفر والضلالة.
وأصل الطمس: المحو والإفساد والتحويل، وقال ابن زيد: نمحُو آثارَهم من وجوههم ونواحيهم التي هم بها، فنردّها على أدبارهم؟ حتى يعودوا إلى حيث جاؤوا منه بدءًا وهو الشام، وقال: قد مضى ذلك، وتأوله في إجلاء بني النضير إلى أذرعات وأريحاء من الشام {أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ} فنجعلهم قردة وخنازير، {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا}.


{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} قال الكلبي: نزلت في وحشي بن حرب وأصحابه، وذلك أنه لمّا قتل حمزة كان قد جعل له على قتله أن يُعتق فلم يُوَفَّ له بذلك، فلما قدم مكة ندم على صنيعه هو وأصحابه فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا قد ندمنا على الذي صنعنا وأنه ليس يمنعنا عن الإسلام إلا أنا سمعناك تقول وأنت بمكة: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} الآيات [الفرقان- 68]، وقد دعونا مع الله إلهًا آخر وقتلنا النفس التي حرّم الله وزنينا، فلولا هذه الآيات لاتبعناك، فنزلت: {إلا من تابَ وآمَنَ وعملَ عملا صالحًا} الآيتين [الفرقان- 70- 71] فبعث بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فلمّا قرأوا كتبوا إليه: إن هذا شرط شديد نخاف أن لا نعمل عملا صالحًا، فنزل: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، فبعث بها إليهم فبعثوا إليه: إنّا نخاف أن لا نكون من أهل المشيئة فنزلت: {قل يا عبادَي الذين أسرَفُوا على أنفسهم لا تَقْنَطٌوا مِنْ رحمةِ الله} [الزمر- 53]، فبعث بها إليهم فدخلوا في الإسلام ورجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبل منهم، ثم قال لوحشي: أخبرني كيف قتلتَ حمزة؟ فلمّا أخبره قال: «ويحك غيّب وجهك عني»، فلحق وحشي بالشام فكان بها إلى أن مات.
وقال أبو مجلز عن ابن عمر رضي الله عنه لمّا نزلت: {قل يا عباديَ الذين أسرَفُوا على أنفسهم}، الآية قام رجل فقال: والشرك يا رسول الله، فسكتَ ثم قام إليه مرتين أو ثلاثا فنزلت: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}.
وقال مُطرف بن عبد الله بن الشخير: قال ابن عمر رضي الله عنه: كنا على عهد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات الرجل على كبيرة شهدنا أنه من أهل النار حتى نزلت هذه الآية {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فأمسكنا عن الشهادات.
حكي عن علي رضي الله عنه أن هذه الآية أرجى آية في القرآن {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى} اختلق، {إِثْمًا عَظِيمًا} أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أنا أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي، أنا محمد بن حماد، أنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلُ فقال: يا رسول الله ما الموجبتان؟ قال: «مَنْ مات لا يُشركُ بالله شيئا دخل الجنة، ومَنْ مات يشركُ بالله شيئا دخل النار».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا أبو معمر، أنا عبد الوارث، عن الحسين يعني: المعلم، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعَمُر حدثه أن أبا الأسود الدؤلي حدّثه أن أبا ذر حدّثه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبٌ أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فقال: «ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة» قلتُ: وإنْ زنى وإنْ سرق؟ قال: «وإنْ زنى وإنْ سرق» قلتُ: وإنْ زنى وإنْ سرق؟ قال: «وإنْ زنى وإنْ سرق» قلتُ: وإنْ زنى وإنْ سرق؟ قال: «وإنْ زنى وإنْ سرق على رَغْمِ أنفِ أبي ذر»، وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإنْ رغم أنف أبي ذر.


قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} الآية، قال الكلبي: نزلت في رجال من اليهود منهم بحري بن عمرو والنعمان بن أوفى ومرحب بن زيد، أتوا بأطفالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد هل على هؤلاء من ذنب؟ فقال: لا قالوا: ما نحن إلا كهيئتهم، ما عَمِلْنا بالنهار يُكفَّر عنا بالليل، وما عَمِلْنَا بالليل يُكفّر عنا بالنهار، فأنزل الله تعالى هذه الآية..
وقال مجاهد وعكرمة: كانوا يُقدِّمون أطفالهم في الصلاة، يزعمون أنهم لا ذنوب لهم، فتلك التزكية.
وقال الحسن والضحاك وقتادة ومقاتل: نزلت في اليهود والنصارى حين قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه، {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى} [البقرة- 111] وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: هو تزكية بعضهم لبعض، روي طارق بن شهاب عن ابن مسعود قال: إن الرجل ليغدو من بيته ومعه دِينُه فيأتي الرجل لا يملك له ولا لنفسه ضرًا ولا نفعًا فيقول: والله إنك كيتَ وكيتَ!! ويرجع إلى بيته وما معه من دينه شيء، ثم قرأ: {ألم تَرَ إلى الذين يُزَكُّون أنفسهم}، الآية. قوله تعالى: {بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي} أي: يطهر ويبرئ من الذنوب ويصلح، {مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا} وهو اسم لما في شقِّ النَّواة، والقطمير اسم للقشرة التي على النَّواة، والنقير اسم للنقطة التي على ظهر النَّواة، وقيل: الفتيل من الفتل وهو ما يجعل بين الأصبعين من الوسخ عند الفتل.

8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15